لقد أصبح للمشاريع الريادية في المنطقة العربية مكانا لم يكن موجودا منذ خمس سنوات من الأن وأصبح دعم الريادين ماليا أو تقنيا في وضع أفضل سواء من قبل الحكومات العربية أو الشركات الكبرى العاملة في المنطقة العربية. لكن المشكلة أن أغلب تلك المشاريع الريادية هي نسخ مكررة من مشاريع عالمية حتى أنك لتجد ذات المشروع تقريبا موجود في دولتين عربيتين متجاورتين.
هذا يجعل من فرصة بقاء واستمرار تلك المشاريع ونجاحها ضئيلة. فالمنافسة الشديدة بين تلك المشاريع المتشابهة في عملها سيحد من قدرتها تعلى جلب المال وتحقيق الربح. أضف الى ذلك أن أغلب تلك المشاريع لم تقدم شيئا جديدا للمستخدم العربي عما هو متعود عليه في المواقع العالمية مما سيحد من قدرتها على بناء قاعدة واسعة من العملاء او حتى الاحتفاظ بهم لفترة طويلة.
إن المشاريع الريادية حقا والتي يمكن أن تعيش لعشرات السنوات هي تلك المشاريع التي تبدع شيئا جديدا فريدا لم يكن موجودا من قبل وهي ما أطلق عليه كل من Peter thiel و Blake Masters في كتابهما zero to one بالمشاريع التي تنقلنا من الصفر (أي اللاشيء) الى الواحد (أي الشيء الجديد) وليس من الواحد الى الأثنين أو الثلاثة مثلا والتي تنسخ مشاريع قائمة مع تعديلات عليها هنا وهناك. تلك المشاريع التي تحدث تغيرا في المجتمع وتستمر لعقود وتكتسب قيمة كلما مر الزمن.
وحتى يحدث ذلك فقد أشار الكتاب الى مجموعة من العناصر الأساسية التي لابد أن تتوفر في المشروع الريادي حتى نستطيع أن نحكم عليه بالنجاح والقدرة على الاستمرارية واحداث تغير حقيقي وهي:
- التقنية المبتكرة: يجب أن تعتمد تلك المشاريع على تقنية أو خلطة هندسية جديدة ومبتكرة لا يمكن نسخها أو تقليديها أو استبدالها بسهولة. وهذا ما تهمله الكثير من المشاريع التي تعتمد على فكرة مبتكرة فهي تهمل التنقية التي تستخدمها في بناء تلك الفكرة ولا تضعها في جل اهتمامها مما يفقد تلك الفكرة بريقها ويجعلها هشة قابلة للسقوط في أي لحظة أو للنسخ والتكرار من قبل الأخرين. التقنية هي ما يقود أي ابتكار وهي ما يمكن أن يحدث تغيرا كبيرا في المجتمع. لاحظ أن التقنية المبتكرة وحدها لن تنجح دون أن يكون العمل البشري جزءا منها، يجب ان تختلط تلك التقنية بالعمل البشري المبدع فلا تكون أليه جامدة فالتقنية لا يمكن أن تعمل وحدها أو ان تكون بديلا عن العمل البشري المحترف.
- خارج المنافسة: لابد أن يكون المشروع الريادي خارج أي منافسة أي لا يوجد ما ينافسه في السوق لأن المنافسة هي القاتل الأول للمشاريع الريادية فمحاولة سباق المنافسين والجري للحاق بهم وتخطيهم للحصول على حصة من السوق تستهلك قوى المشروع الريادي وأمواله وتجعله مقلدا للأخرين حتى لو كان مميزا عنهم. يجب أن يكون المشروع الريادي عندما يبدأ هو القائد وعندما ينجح سيحاول الأخرون اللحاق به وليس العكس. لابد أن يعتمد المشروع على فكرة لا يوجد لها منافس وهذا جوهر النجاح الحقيقي لأي مشروع ريادي والأصعب على الإطلاق. ولتحقيق ذلك يمكن أن يبدأ المشروع الريادي بفكرة أو منتج مبتكر ومحدد لسوق صغير لا يوجد فيه منافسة بحيث يمكن تقديم قيمة حقيقية فيه ثم يتم التوسع الي أسواق أخرى وذلك فقط عندما ينجح في خدمة ذلك السوق بكفاءة، هذا طبعا مع الاهتمام بالاسم التجاري المميز للمشروع من البداية والذي يخلق سمعة وصورة ذهنية معينة لدى العميل.
- السر الخفي: خلف كل مشروع ريادي ناجح سر خفي لا يراه الا مؤسسه، شيء فريد ذا قيمة واهمية لا ينتبه لها أحد ولا يعرف عنها أي فرد وفد لا يمكن تحقيقه بسهولة. هذا السر هو منبع التفرد والذي يمكن الريادي من الظهور والنجاح واخذ زمام القيادة دون أن يلتفت له أحد. ويعتمد هذا بشكل كبير على قدرة المؤسس أو المؤسسين على رؤية المستقبل وكيف سيكون هذا العالم بعد عشر أو عشرين سنة من الأن، وهذا يتطلب طريقة غير تقليدية في التفكير والتخيل والتصور والجراءة على البحث والاكنشاف. الاسرار موجودة في كل مكان وستظل موجودة وكل واحد منا قادر على اكتشافها، وعلى الشركة الريادية أن تعتمد في بنائها على أحد تلك الأسرار بل وتظل تبحث عن الاسرار أثناء نموها لتستمر وتبتكر وتنمو وتسبق الأخرين. تكرار أفكار موجودة لا يمكن أن يمثل سرا يحقق النجاح مهما كان مبتكرا لأنه سيدخل الريادي في المنافسة ولن يعطيه تلك الاسبقية التي تضمن استمراره.
- فريق العمل المتجانس: لا يوجد فرد واحد قادر على فعل كل شيء ولا يمكن للحظ أن يخلق النجاح. النجاح لا يتأتى الا من خلال عمل حقيقي عبر فريق عمل يملك المهارة لتحقيقه وقادر على تحويل الفكرة المبتكرة الى حقيقية. وليست الكفاءة هي المحدد الوحيد لتحديد أعضاء فريق العمل بل مدى تجانس فريق العمل وتكامل الأدوار التي يقومون بها. فإذا أحضر المؤسس شريكا له يماثله في القدرات والمهارات والميول فهو يقضي على شركته قبل أن تبدأ. يجب أن تكون طبيعة وميول وأدوار أعضاء فريق العمل مختلفة ولكن متكاملة ومتجانسة مع بعضها البعض، وليتحقق ذلك فلابد أن يكون فريق العمل على معرفة مسبقة ببعضهم البعض وأن يستمتعوا بالعمل في المشروع ويتفرغوا تماما له فالاعتماد على العمل الجزئي في بداية التأسيس لن يعكس النجاح المفروض. ان كنت مؤمنا بالفكرة التي تعمل من أجلها فيجب أن تتفرغ لها تماما ومقولة أن لا تضع بيضك كله في سلة واحدة لا تصلح مع المشاريع الريادية.
- التدفق النقدي: يعتمد نجاح وقيمة أي عمل ريادي اليوم على قدرته على انتاج سيولة نقدية في المستقبل وليس على قيمة أصوله أو عدد موظفيه. قيمة الشركة الريادية الحقيقية والتي ينظر لها المستثمرون تتمثل في مدى قدرتها على انتاج المال في المستقبل وهذا ما يجعل قيمة شركة كتويتر أو لينكدإن أو واتساب اعلى من شركات تملك أصولا ضخمة. المستثمر اليوم ينظر بدقة الى التدفقات النقدية التي يمكن أن يحققها المشروع الريادي بعد خمس أو عشر سنوات من اليوم حتى يحكم على مدى نجاح المشروع من فشله. النظر الى الربح العاجل كما يحدث مع الكثير من المشاريع الريادية هو القاتل الأكبر لان المشروع قد يحقق ربحا عاليا في البداية لكنه لن يكون قادرا على تحقيق تلك التدفقات النقدية بعد خمس أو عشر سنوات نتيجة ارتفاع التكلفة أو زيادة المنافسة أو غيره. ولكي يتحقق ذلك يجب أن تكون طبيعة المشروع والفكرة قادرة على تحقيق تلك التدفقات النقدية عندما يتوسع مستقبلا دون احداث تغير جوهري في المشروع أو الفكرة أو التقنية أو المنتج التي بدأت بها أصلا. ولا يحدث هذا الا عندما يكون المنتج فريدا ويستخدم تقنية مميزة وقوية ومرنة وقادر على بناء شبكة من العملاء الراضين عن المنتج وبالتالي قادر على التوسع دون اضافة تكلفة كبيرة.
- خطة للتوزيع: كثيرا ما ينسى أصحاب الأفكار العظيمة أو يتجاهلوا وضع خطة واضحة لإيصال المنتج للعملاء وكيف سيتم بيعه وشرائه. فعدم قدرة العميل على الحصول على المنتج بسهولة سيعني ببساطة أننا ننتج منتجا للعرض فقط. لا يكفي إطلاقا وضع منتج مبتكر وانتظار المبيعات لتأتي، يجب أن يترافق مع المنتج خطة واضحة لكيفية ايصاله للعملاء المستهدفين عبر قناة محددة وواضحة مع التركيز على العملاء الأهم في البداية والذين يمكن أن يسوقوا للمنتج عند رضاهم عنه. هذه الخطة يجب أن تكون بسيطة غير معقدة ومناسبة للمنتج وقيمته وقادرة على إيصال المنتج للعملاء المستهدفين فعلا، قد يتم ذلك عبر البائعين أو عبر التسويق أو الإعلان أو العلاقات العامة.
- المرونة: لا يمكن للمشاريع الريادية أن تنجح نتيجة خطة عمل واضحة وأرقام دقيقة، هي تنجح نتيجة عمل ابتكاري فريد ومبدع. لذلك يجب أن تكون الخطط الموضوعة مرنة قابلة للتعديل والتغير في أي وقت. من المهم ان تكون هناك مرونة في احداث التغيير في الخطة الموضوعة عند الحاجة وهذا يشمل التكاليف والأسعار وغيرها وحتى بيئة العمل والتعامل مع الموظفين والذي ينبغي أن يكون مرنا غير تقليدي فلا مكان لأوقات الدوام الثابتة والمكاتب الباردة. كما يجب اختيار الوقت المناسب لبدء كل مرحلة من مراحل نمو المشروع وعدم التسرع وذلك بعد التأكد إن النجاح قد تم بشكل فعلى في كل مرخلة.
هذه نقاط سبعة تمثل خصائص يمكن من خلالها الحكم على نجاح أي مشروع ريادي ومدى قدرته على الاستمرار. نحن بحاجة في منطقتنا العربية لمشاريع ريادية تغير العالم، ولا يمكن أن ننجح في ذلك إذا قمنا ببناء فيسبوك عربي أو متجر الكتروني تقليدي. نحن بحاجة لاستغلال الأفكار المبدعة حقا والتي يمكن أن تؤسس لأعمال تدوم عشرات السنين