لا يختلف إثنان على أن مستوى التعليم  في الوطن العربي منخفض مقارنة بدول أخرى في العالم الثالث ناهيك عن الدول المتقدمة المتطورة حيث يعاني التعليم في بلادنا من قلة عدد المدرسين الأكفاء  وتدني مستوى المناهج الدراسية وضعف البنية التحتية من مدارس وصفوف ووسائل تعليمية مما يضطر أولياء الامور والطلاب للبحث عن التعليم الجيد لدى مدارس وجامعات متقدمة وهي محدودة في منطقتنا او في المدارس والجامعات الغربية لمن يملك القدرة المالية على ذلك.

ولعل قلة عدد المعلمين هي اهم مشكلة يعاني منها التعليم في منطقتنا العربية حيث أشارت اليونسكو في يوم المعلم العالمي عام ٢٠١١ بان الدول النامية بحاجة الى اضافة مليوني معلم جديد بحلول عام ٢٠١٥ لتلبية احتياجات التعليم الاساسي فقط وبزيادة مقدارها ٥٪ سنويا مما يشكل عبئا على تلك الدول  فالمعلم ذا الخبرة القادرعلى إيصال المعلومة للطلاب والمتمرس والشغوف في عمله اصبح عملة نادرة في مدارسنا وجامعاتنا العربية رغم ذلك الكم الهائل من المدرسين الذين يتخرجون ويعملون في حقل التعليم في منطقتنا لكن الكفاءة تغيب عن اكثرهم مما يؤدي الي مخرجات تعليمية ليست على المستوى المطلوب.

najah

وحتى لو توافرت افضل المناهج وأحسن المدارس فلن يكون لها تأثير اذا لم يتوفر افضل المدرسين, فيمكنك مثلا أن تجد طالبين في ذات المدرسة أو الجامعة يدرسون ذات المنهاج لكن أحدهم قد يحصل على تعليم متميز في مادة ما والأخر يحصل على تعليم سيء في ذات المادة وذلك فقط بسبب “المعلم”. فازدياد عدد الطلاب وقلة الإهتمام بالمدرس ومهنة التدريس جعلنا نرى الكثير من النماذج السيئة من المدرسين الذين هم فقط يؤدون وظيفة وحسب.

أفلا يكون التعليم الإلكتروني حلا جذريا لكل ذلك؟

أفلا يمكنني من خلال تقنيات التعلم الحديثة أن أنقل المعلم المتميز لعدد كبير من الطلاب في المنطقة العربية بل وأحتفظ بهذا المعلم أبد الدهر حتى بعد وقاته؟

أفلا يمكن عبر التعليم الإلكتروني أن أضمن حصول الجميع على مستوى متقارب من التعليم ذو جودة عالية أيا كان مستواهم المادي أو مكان تواجدهم؟

في الوقت الذى يمكن لهذا النوع من التعليم أن يحل مشاكل كثيرة وينهض بأمة ويصنع مجتمع معرفة يحلم به الكثيرون, تتجاهلة الكثير من الدول العربية بل ولا تعترف به. إن قمة التناقض أن أعتبر الطالب قد تلقى تعليما أكاديميا لمجرد أنه درس بشكل تقليدي ووجها لوجه ولكن في مدرسة سيئة أو جامعة متواضعة أوعند مدرس ليس على المستوى المطلوب,  بينما أنكر على طالب أخر أنه تلقى تعليما أكاديميا حتى لو تم ذلك  في جامعة متميزة أوعند استاذ متميز لمجرد أنه “تعليم إلكتروني” أو تعليم عن بعد.

يعنقد الكثير من المتخصصين أن التعليم الإلكتروني هو الحل الأمثل لتطوير التعليم في المنطقة العربية حيث أشارت عدد كبير من الدراسات والأبحاث وأوراق العمل الى أهمية استخدام التعليم الإلكتروني في المنطقة العربية. وهذا ليس غريبا فنتيجة للتطور التكنلوجي والتقدم المذهل والمتسارع في تقنيات الكمبيوتر والإنترنت والهواتف الذكية والشبكات الإجتماعية والاتصالات  إنتشر استخدام التعليم الالكتروني خلال العقدين الماضيين بشكل ملحوظ فأصبحت وسائل التعليم الإلكتروني عنصرا أساسيا في منظومة التعليم في العالم كله  نظرا لأن التعليم الإلكتروني يتجاوز حدود الزمان والمكان ويوفر مزايا تعليمية تفاعلية بالصوت والصورة ليست متوفرة في الأساليب التقليدية في التعليم مما قد يساعد على تجاوز الكثير من مشاكلنا التعليمية في المنطقة العربية فيما لو تم استغلالها بشكل فعال وملائم للمنطقة .

نعم, نحن أمام حقيقة يجب أن نواجهها بقوة, الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي والهواتف الخلوية هي أحد أهم مصادر المعرفة اليوم وعدم استغلالها في التعليم يعني أننا نضيع فرصة كبيرة لتطوير التعليم للاجيال القادمة. لقد أصبح بالإمكان الأن استخدام الأجهزة اللوحية كبديل عن الكتب الورقية, واستخدام الشبكات الإجتماعية والمنتديات للتواصل كبديل عن الحرم الجامعي او المدرسي, واستخدام برامج الفيديو والبث المرئي والوسائط المتعددة كبديل عن المحاضرات التقليدية, واستخدام المدونات للواجبات المدرسية كبديل عن التلقين.

نحن بحاجة لبناء منظومة عربية للتعلم الإلكتروني مناسبة لنا يمكن أن تضمن نقل المعلم المميز والمنهج الدراسي المتطور لأكبر عدد من الطلاب لمختلف المستويات والعلوم والمعارف فهذا لن يطور التعليم التقليدي فقط بل سيعمل ايضا على بناء مجتمع قائم على المعرفة, والحقيقية أن الأمثلة على امكانبية تحقيق ذلك موجودة بالفعل فأكاديمية خان التي تتيح التعليم للجميع وموقع Coursera الذي يوفر مناهج تعليمية من أعرق الجامعات الأمريكية أمثلة حية لما يمكن تحقيقيه فيما لو توافرات الارادة والدعم المالي.

إن المؤتمر الدولي للتعلم الإلكتروني الذي يعقد في الرياض كل هامين هو أحد أهم المؤتمرات العليمة المتخصصة بهذا المجال والتي قد تساهم في تطوير هذا النوع من التعليم وتغيير النظرة تجاهه حتى ننقذ الأجيال القادمة والتي قد يكون وضع التعليم فيها أكثر سوءا.