يبدو أن ستيف جوبز قد خدم شركته أبل لآخر لحظه في حياته, فبموته أنسى العالم خيبة الأمل التي اصابت الملاين بإطلاق الأيفون 4 أس بدلاً من ايفون 5 قبل الوفاة بيوم ولا أدري أن كان ذلك من عبقرية الرجل أن يموت في هذا الوقت يالذات أم لا, و لا اعلم إن كانت تلك مصادفة أن تتوقف أبل عن مفاجئة العالم بمنتجات وابتكارات جديدة بموت ملهمها أم أن جعبة أبل قد نفذت ولم يعد لديها شئ تقدمه مات قائدها أم لم يمت.
لقد اسرف الكتاب وزوار شبكة الإنترنت ومن يعرف جوبز أو من لا يعرفه في الميدح لهذا الرجل ولعبقريته التي لم نرى مثلها من قبل حتى أن المسلمين أصبحوا يترحمون عليه كما يترحمون على موتاهم ويسألون الله له فسيح جناته فلولاه لما كان هناك أيفون ولما رأى الناس الأباد ولعاش العالم في ظلام الأجهزة المتخلفة القديمة ولما وصلنا الى ما نحن عليه الأن.
للأسف هذا هو الإعتقاد الذي يؤمن به الكثيرون عن علم أو جهل فجعلوا من ستيف جوبز قديسا وكالو له المديح حتى ظننت أن العالم خلا بموته وأن التكنولوجيا قد توقف تطورها عند ذلك بل ظننت أننا سنعود للخلف فأصبحت أحافظ على الأيباد الخاص بي لأنه سيصبح سلعة نادرة فيما بعد.
لاشك أن ستيف جوبز قد فكر بما لم يفكر به الأخرون وأبدع في عمله وكان قائدا ملهما ومنقذا لأبل على مر السنوات الماضية لكنه في النهاية لم يكن يعمل وحده فهناك فرق عمل عملت معه في تنفيذ أفكاره بل وعملت على التعديل فيها. كما انه بشر أخطأ وفشل وتعلم من أخطائه وفشله وكان الأجدر أن نتعلم من سيرته ونستفيد منها بدل أن نكيل المديح دون فائدة.
كنت أتمنى بدلا من كل ذلك المديح أن لو تعلمنا من ستيف أهمية القيادة والإدارة في إنجاز الأعمال فهذا أمر نفتقده في مؤسساتنا العربية فستيف كان قائدا ملهما للأخرين نجح بقيادته في إنقاذ أبل من إنهيار كبير في أواخر التسعينات وأعاد اليها الحياة مرة أخرى بل وقادها لنجاح باهر لم يكن أحد ليحلم به قبل عشرة سنوات من الأن. فأين نحن من ذلك؟ وهل تجد في مؤسساتنا العربية من يبحث عن القائد؟ وهل تجد منا من يربي أولاده على القيادة؟ لاحظ أن ستيف لم يكن مديراً بل قائدا لذلك بحث هو بنفسه عمن مدير ليدير ابل في بدايات نجاحاتها بداية الثمانينات فعين مديرها الذي طرد ستيف من العمل فيما بعد. فهل لدينا من يفعل ذلك في إداراتنا العربية. دعونا نتعلم ذلك من سيرته فهذا أفضل بكثير من الترحم عليه.
والحقيقة أيضا أن ستيف لم يحقق نجاحا باهرا الا مع بداية عام 2000 وكان نجاحه هذا نتيجة فشل إستمر لأكثر من خمسة عشر عاما خسر خلالها ستيف الكثير من أمواله وغير مهنته فقد كان إهتمام ستيف في بداية حياته المهنية ينصب في تصنيع أفضل جهاز كمبيوتر خلال ثورة جلبت الملاين لكثيرين ممن عملوا فيها نهاية السبعينيات. لكن إصراره على تقديم الأفضل دائما جعله يفشل في تقديم جهاز ماكنتوش ومن بعده جهاز نكست للاسواق فرغم أنها كانت الأفضل بالفعل لكنها الأغلى ثمنا والأبعد عن حاجة الناس فخسر ثروته كلها وإتجه الى مجال أخر غير المجال الذي يحبه حتى عاد مرة أخرى لكنه عاد بعد أن إكتشف سر النجاح فليس النجاح في أن تقدم افضل شئ بل أن تقدم ما يناسب الناس فكان بداية نجاح حقيقي بتقديم منتجات رخيصة الثمن قريبة للناس بدأت بالأي بود ثم الأيفون ثم الأباد. لقد تعلم من فشله فقاده الى أكبر نجاح. فمن منا يفعل ذلك؟
بعد النظر والتخلي عن ملاحقة الأخرين والقيادة والقرب من الناس أعطت لستيف جوبز هذه المكانة وجعله الأكثر شهرة فهل نتعلم كيف فعل ذلك؟؟؟