عندما تقرأ سيرة ستيف جوبز أحد المؤسسين لشركة “أبل” فأنت لا تقرأ سيرة رجل, انما تقرأ تاريخ الكمبيوتر الشخصي منذ بداية انتاجه عام 1975 وحتى اليوم. منذ أن كان جهازا صعب الاستخدام بالكاد تشغل عليه بعض البرامج البسيطة إلى ما نملكه اليوم من أجهزة ذكية نضعها في جيوبنا. سيرة مليئة بالدروس التي يجب أن نتعلم منها لعلها تؤتي ثمارا أو تنفع في عمل.

لعلي أضع بين أيديكم بعض من الدروس المستفادة من سيرة ستيف جوبز:

1-     القيادة لا تعتمد على الصفات الشخصية للقائد بل على الرؤيا التي يملكها والتي يتمكن من خلالها جذب الأخرين اليه فيؤثر بهم ويدفعهم للعمل. لقد كان ستيف جوبز قائداً يملك رؤيا للمستقبل لكنه كان في ذات الوقت شخصا غريب الطباع عصبي المزاج متهور سليط اللسان, لكنه استطاع رغم كل ذللك أن يقود شركة “أبل” الى النجاح منذ بدايتها عام 1975 وحتى اليوم بفضل الرؤيا التي كان يملكها والتي كانت في غالب الأحيان صحيحة. الرؤيا للمستقبل وتصوره والعمل لتحقيق ما يعتقده البعض مستحيلا كانت الأسباب الأساسية التي جعلته ينجح في التأثير على الأخرين وقيادتهم لتحقيق نجاحات لم يستطع كثير ممن يمنلكون صفات القائد الشخصية من فعله.

2-     الدمج بين التقنية والفن سبب رئيسي لنجاح “أبل” ونجاح ستيف جوبز وسيكون سببا رئيسيا لنجاح أي شركة تدمج بين الأثنين. فمنذ ظهور جهاز ماكنتوش عام 1984 وحتى الأي باد 2 عام 2011 كان المزج بين التقنية والفن واضحا في جميع منتجات “أبل” سواء في تصميم المنتج أو في الإهتمام بالمحتوى الذي يمكن للمستخدم أن يستخدمه عبر ذلك المنتج أو في طريقة استخدامه. لقد الإهتمام بالموسيقي وبيعها مرافقا لمنتج كالأي بود والإهتمام بالكتب والمجلات مرافقا لمنتج كالأي باد, لقد كانت المنتجات تتعرض لاختبارات كثيرة تتمحور حول تجربة المستخدم لتضمن سهولة الإستخدام وجمال التصميم وهذا كله كان يكلف وقتا وجهدا ومالا قد لا تستطيع الكثير من الشركات أن تفعله. إن أغلب الشركات التقنية تهتم بالتقنية فقط مما يجعل منتجاتها باردة ميتة لا حياة فيها, لكن ستيف جوبز بعث الحياة في منتجاته فكانت أكثر ذوقا وألذ طعما وأمتع استخداما.

3-     “إن العميل لا يعرف ما يريد حتى يراه” هذا كان شعار ستيف عندما يسأله أحدهم هل قام بأي ابحاث سوق أو دراسة جدوى لمنتجه الجديد؟ كان يعتقد أنك كمتخصص عليك أن تتوقع احتياجات الناس وتقوم بنتاج منتجات (أو اختراعات كما كان يطلق عليها) تلبي تلك الإحتياجات وهذا في عالم الأعمال يحمل مخاطرة كبيرة, لكن الايمان بالرؤيا والتصميم على تنفيذها كان المعيار الأول والوحيد لأغلب المنتجات التى انتجتها “أبل” وليس ابحاث السوق. وكان يدلل ستيف على صدق ذلك المنهج عندما كان يتسأل عما اذا كان مخترعوا الهاتف أو المصباح الكهربائي قد قاموا بأي ابحاث سوق قبل أن يخترعوا تلك الابتكارات.

4-     الإهتمام بالتفاصيل الدقيقة للعمل أو المنتج حتى لو لم ولن يراها العميل, فقد كانت ستيف يدقق كثيرا في التفاصيل الفنية لجميع أجزاء المنتج بما في ذلك الأجزاء الداخلية وغير المرئية منه وبنفس معدل إهتمامه بالأجزاء الخارجية ولذلك فإنك ستجد أن الأجزاء الداخلية لمنتجات “أبل” مرتبة منسقة رغم أنك لا تراها وقد تعلم ستيف هذا المبدأ من والده الذي ضرب له مثلا بالنجار المحترف الذي ينجز دولابا رائعا فإنه سيهتم بالجزء الخلفي من الدولاب ذات الأهتمام ببقية الأجزاء رغم أنه غير مرئي وذلك فقط لأنه نجار محترف. ونتج هذا كله المبدأ الاساسي في العمل والذي كان يتبعه جوبز في شركة “أبل” وهي أن عليك أن لا تتجاوز أي خطأ في المنتج وأن لا تطرحه للناس الا إذا تأكدت بأنه خالى من الأخطاء والمشاكل وهذا عكس ما نتنهجه أغلب شركات التقنية في وادي السيلكون والتى تعتمد مبدأ “أطرحه في السوق أولا ثم قم بحل مشاكله”. هذا بالطبع أدى الى ان تكون منتجات “أبل” أكثر جودة من غيرها من المنتجات وبالتالي أكثر تكلفة.

5-     الأفكار الإبداعية الجديدة والمتجددة هي ما جعلت من ستيف جوبز ذلك الرجل الناجح فهو لم يكن تقنيا أو مخترعا أو مهندسا, بل كان مفكرا فكانت أفكاره تلك هي ما جعلته عبقريا. لذلك فإن علينا أن نهتم بأفكار من حولنا فهي أساس الإبتكار والنجاح فلا تهمل أفكار موظفيك أو ابنائك أو تلاميذك فالقكرة الإبداعية هي ما تفرق بين العبقري والشخص العادي. يجب أن يكون في كل شركة من يفكر ويبدع الأفكار كما كان الحال مع “أبل” وعلى إدارات الشركات أن تحاول وضع تلك الأفكار محل التنفيذ لأن الفكرة وحدها لا تكفي فالسبب الرئيسي لخروج ستيف جوبز من “أبل” عام 1987 أن إدارة الشركة قررت جعل أفكاره الإبداعية مجرد أفكار وحسب ولنيكون له سلطة تنفيذها. إعمل على انتشار الأفكار الإبداعية بين تابعيك, فهي السبيل الوحيد للنجاح وإحترم أرائهم وحاول أن تضعها موضع التنفيذ حتى لو خاطرت بعض الشيء فكل ابتكارات العالم جاءت من افكار إبداعية بسيطة.

6-     الإهتمام بالمستخدم (أو المستهلك) يجب أن يفوق الإهتمام بتحقيق الأرباح لأن الإهتمام بالمستخدم هو يما جلب الأرباح ويؤدي لانتاج منتجات عظيمة. هذا كان سلوك جوبز في تعامله مع المنتجات التي تنتجها “أبل”. ولتحقيق ذلك كان يصر على المنتج المقفل الذي لا يستطيع المستخدم اللعب به أو تغييره بدعوى أن الشركة يجب أن تتحكم بكامل تجربة المستهلك فتدمج البرامج والأجهزة والخدمات مع بعضها البعض في نظام مغلق واحد متكامل تحت سيطرة الشركة المنتجة.  وقد بدأ هذا الأسلوب في العمل مع أجهزة الماكنتوش عام 1984 فالجهاز كان مغلقا لا يمكن إضافة أي ملحقات به وكان نظام التشغيل خاص بالماكنتوش لا يعمل على أي جهاز أخر بل ولم تسمح شركة “أبل” بترخيصه لأي أجهزة أخرى كما هو الحال مع نظام تشغيل مايكروسوفت (الوندوز) بإعتبار أنه لن يعمل بالشلكل المطلوب الا على أجهزة الماكنتوش. وظل هذا المبدأ سائدا خلال الثمانينات والتسعينات رغم عدم نجاحة واكتساح النظام المفتوح من مايكروسوف الأسواق وتغلبه على الماكنتوش.

 لكن مبدأ المنتج المغلق حقق نجاحا باهرا خلال العقد الماضي من هذا القرن مع بداية شركة “أبل” في  انتاج المنتجات الإلستهلاكية للمستخدم العادي كالأي بود ثم الأي فون ثم الأي باد فالمنتج المقفل أسهل استخداما وأقرب للمستخدم العادي من المنتجات المفتوحة التي يمكن تشغيلها على أي جهاز مما جعل “أبل” نتنج منتجات يمكن أن يستخدمها حتى الأطفال دون أي نوع من التدريب أو الخبرة المسبقة.

عموما الإهتمام بالمستخدم او المستهلك يجب أن يكون أولوية لأي شركة لتحقق النجاح في العمل وهو السبيل الوحيد لتحقيق ارباح فيجب أن نفرق بين رجال الأعمال الذين يسعون للربح فقط والمصنعون الذي يسعون لتقديم منتج متميز للسوق.

7-     وأخيرا فإن تجنب أكل اللحوم وغيرها من الأطعمة والإلتزام بحمية غذائية متشددة لا يحمي صاحبه من مرض السرطان فستيف كان متشددا في الطعام الذي يتناوله بدعوى الصحة لكن أثبت بمرضه أن الأكل المعتدل من كل الطيبات التى أحلها الله هو السبيل للصحة والعافية. كما أثثبت أن المرض ليس عائقا عن العمل فقد عمل لأخر لحظة في حياته ورغم حبه لعمله لكنه سلم سلطة “أبل” لخلفه وهو حي عندما تأكد أن أجله قد اقترب.

سيرة تستحق القرأة والتمعن فقرأة سير من أثروا في هذا العالم خصوصا في عصرنا الحديث لها تأثير قوي على طريقة تفكيرنا لأن تلك السيرة قريبة منا وحدثت أثناء حياتنا وتتعامل مع العصر الذي نتعامل به عكس سير القدماء التي قد تكون بيعدة عن أجيال اليوم رغم ما فيها من دروس وعبر.